منوعات

زهران ممداني: مسيرة أول مسلم يقود مدينة نيويورك 2025

تعيش مدينة نيويورك منذ انتخابات 2025 حدثًا سياسيًا فارقًا في تاريخها، حين انتُخب زهران ممداني ليصبح أول مسلم يتولى منصب عمدة المدينة، وواحدًا من أصغر القادة الذين يصلون إلى هذا الموقع الحساس. هذا الفوز لم يكن مجرد تغيير في منصب سياسي، بل تحوّل اجتماعي عميق يعكس طبيعة المدينة المتنوعة والتبدلات المتسارعة في مزاج الناخبين.

ومع دخول  زهران ممداني الحياة العامة من بوابة خدمة المجتمع والعمل التشريعي، أصبح اسمه رمزًا لجيل جديد من القادة الذين يجمعون بين الخبرة الواقعية والالتزام بالعدالة الاجتماعية.

من هو زهران ممداني؟ الخلفية والنشأة

وُلد زهران قرشي ممداني عام 1991 في مدينة كمبالا عاصمة أوغندا، لعائلة ذات جذور فكرية وثقافية بارزة على المستوى العالمي.

والده هو الأكاديمي والباحث المعروف محمود ممداني، أحد أبرز أسماء دراسات ما بعد الاستعمار في القارة الأفريقية، وأستاذ في جامعات مرموقة. أما والدته فهي المخرجة السينمائية ميرا ناير، التي قدّمت أفلامًا حققت حضورًا عالميًا في المهرجانات الدولية.

هذا الإرث العائلي أضفى على ممداني منذ طفولته وعيًا مبكرًا بالسياسة والثقافة وحركة المجتمعات. ومع انتقال عائلته إلى الولايات المتحدة وهو طفل صغير، ترعرع في بيئة متعددة الثقافات والدوافع، ما ساعده على اكتساب فهم عميق لقضايا الهوية، والاندماج، والعدالة الاجتماعية داخل مجتمع شديد التنوع مثل نيويورك.

التعليم والنشأة الفكرية

زهران ممداني مسيرة أول مسلم يقود مدينة نيويورك
زهران ممداني مسيرة أول مسلم يقود مدينة نيويورك

تلقّى ممداني تعليمه في مدارس نيويورك العامة، قبل أن يلتحق بكلية بودوين، إحدى الجامعات الأميركية الليبرالية العريقة. وهناك تخصّص في الدراسات الأفريقية (Africana Studies)، وهو تخصص يعكس اهتمامه المبكر بقضايا التمثيل، العدالة، والهوية الثقافية.

هذا المسار الأكاديمي لم يكن مجرد دراسة نظرية، بل شكّل قاعدة فكرية راسخة لمواقفه السياسية، إذ اكتسب خلالها فهمًا معمقًا للطبقات الاجتماعية، وطرق تشكّل السلطة، والعلاقة بين الدولة والمجتمع. وقد لعب هذا التكوين الفكري دورًا مباشرًا في بروز رؤيته السياسية لاحقًا.

الطريق إلى العمل العام: خدمة المجتمع وبداية المسار السياسي

قبل أن يدخل ممداني عالم السياسة بشكل رسمي، عمل في مجال دعم الإسكان، وتحديدًا كمستشار لخدمات منع حجز المنازل في مدينة نيويورك. خلال هذا العمل، تعامل مع عائلات مهددة بالطرد أو فقدان منازلها بسبب التكاليف الباهظة، الأمر الذي كشف له حجم الأزمة الحقيقية التي يعيشها الكثير من سكان المدينة.

الخطوة الأولى: الوصول إلى الجمعية التشريعية

في عام 2020، ترشح ممداني لعضوية الجمعية التشريعية لولاية نيويورك ممثلًا عن الدائرة رقم 36 في كوينز، وهي منطقة تضم مزيجًا من المهاجرين من جنوب آسيا والعرب والأفارقة. حملته حينها اعتمدت على التواصل المباشر، ووعود صريحة بالدفاع عن حقوق السكان والعمل على تحسين مستوى المعيشة.

وفاز بالفعل بالمقعد، ليصبح واحدًا من الوجوه التقدمية البارزة في المجلس التشريعي. ركّز خلال فترة عمله على:

  • دعم قضايا السكن الميسّر.
  • تحسين النقل العام.
  • توسيع الخدمات العامة في الأحياء المهمشة.
  • دعم الأجور العادلة.
  • تعزيز تمثيل المهاجرين في السياسات المحلية.

هذا الأداء البرلماني أسّس لصورته كسياسي قريب من الناس، يركز على الحلول الواقعية.

كيف نجح في تحقيق فوز تاريخي؟ الحملة الانتخابية لعمدة نيويورك

مع إعلان ترشّحه لمنصب عمدة نيويورك في انتخابات 2025، قلّل كثيرون من فرص ممداني، خصوصًا أنه يواجه شخصيات سياسية مخضرمة وذات نفوذ واسع. إلا أن ما حدث لاحقًا غيّر التوقعات بالكامل.

حملة مختلفة.. موجهة إلى الناس لا إلى النخب

اعتمد ممداني على استراتيجية انتخابية قائمة على التواصل المباشر مع الناخبين، وخاطب قضايا «الحياة اليومية» التي يعاني منها سكان المدينة. ولم تقتصر رسالته على خطابات سياسية عامة، بل ركّز على ملفات محددة يشعر بها المواطنون مباشرة، مثل:

  • أزمة السكن.
  • ارتفاع تكلفة المعيشة.
  • أجور العمال.
  • النقل والمواصلات.
  • الخدمات العامة الضعيفة في أحياء المهاجرين.

هذا الأسلوب جعل حملته أكثر قربًا من الناس مقارنة بخصومه، الذين مالوا إلى الخطاب التقليدي.

تفاعل كبير من الشباب والمهاجرين

دخل الشباب بقوة في مواجهة الأزمات الاقتصادية، وكانوا يرون في ممداني صوتًا يعكس مخاوفهم وطموحاتهم. كذلك شكلت الجاليات المهاجرة — العربية، البنغالية، الباكستانية، الأفريقية — قاعدة دعم كبيرة له.

هذا التفاعل غير المسبوق من الفئات التي كانت مهمشة سياسيًا، أحدث تحولًا كبيرًا في مسار الانتخابات.

من مرشح غير معروف إلى عمدة نيويورك

قبل أسابيع من الانتخابات، بدأ تقدّم ممداني يظهر بوضوح في استطلاعات الرأي. وبعد إعلان النتائج، حصل على النسبة الأعلى من الأصوات، ليصبح:

  • أول مسلم يتولى المنصب.
  • أول مولود في أفريقيا يقود المدينة.
  • أول أميركي من أصل هندي-أوغندي يصل إلى رئاسة بلدية نيويورك.
  • أحد أصغر من تولّى المنصب على الإطلاق.

هذا الانتصار يُعد تحولًا تاريخيًا يعكس تنوع سكان المدينة.

ماذا يمثل انتخاب زهران ممداني؟ قراءة في دلالات الفوز

لا يمكن النظر إلى فوز ممداني كحدث عابر، بل يحمل دلالات عميقة على مستويات متعددة:

1. انتصار للتمثيل السياسي للمسلمين والمهاجرين

يعيش في نيويورك أكثر من مليون مسلم، وهي شريحة كبيرة لم يُمثَّل أفرادها في مناصب رفيعة بهذا المستوى سابقًا. يشكّل وصول ممداني خطوة كبرى نحو التمثيل الحقيقي للأقليات.

2. تغيير في المزاج الانتخابي

اعتماد الناخبين على برنامج اجتماعي واقعي بدل الخطاب التقليدي يدل على رغبة سكان نيويورك في:

  • سياسات عادلة.
  • خدمات أفضل.
  • قيادة قريبة من الناس.

3. صعود جيل جديد من القادة

جيل الشباب في المدينة يميل إلى السياسيين الذين يتحدثون بلغتهم ويفهمون مشكلاتهم، وممداني يجسد هذا الاتجاه بوضوح.

التحديات التي تنتظر العمدة الجديد

على الرغم من فوزه التاريخي، فإن الطريق أمام ممداني ليس سهلاً. نيويورك مدينة ضخمة وتعاني من مشكلات مركبة تتطلب حلولًا واقعية، ومن أبرز تحدياته:

1. أزمة الإسكان

تعتبر واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخ المدينة. على ممداني إيجاد حلول عملية تشمل:

  • زيادة الإسكان الميسّر.
  • دعم المستأجرين.
  • مواجهة ارتفاع الإيجارات المفرط.

2. الأمن العام

توازن دقيق بين:

  • الحفاظ على الأمن.
  • احترام حقوق الإنسان.
  • تحسين علاقة الشرطة بالمجتمع.

3. تكلفة المعيشة

نيويورك من أغلى المدن في العالم، ومع تراجع قدرة السكان على تحمّل المصاريف، سيكون على ممداني تقديم برامج ملموسة.

4. تحسين النقل العام

يعاني ملايين السكان يوميًا من مشكلات في المترو والحافلات، وهي ملفات تحتاج إلى تحديث وتمويل وتطوير.

5. الانقسام السياسي

بوصفه سياسيًا تقدميًا، سيواجه مقاومة من بعض القوى التقليدية أو جماعات الضغط، ما يتطلب قدرة عالية على إدارة التفاوض.

هل يمتلك ممداني فرص النجاح؟

يمتلك ممداني عدة نقاط قوة تساعده:

  • قربه الحقيقي من الناس.
  • خبرته في ملفات الإسكان.
  • شعبيته الواسعة لدى الشباب.
  • فهمه العميق لقضايا التنوع والعدالة.
  • رؤيته الواقعية المنظمة.

وبالرغم من أن التحديات كبيرة، فإن قدرته على تحويل المبادئ إلى خطط قابلة للتطبيق ستكون العامل الحاسم في نجاحه خلال ولايته.

خاتمة

إن انتخاب زهران ممداني عمدةً لمدينة نيويورك ليس مجرد فوز انتخابي، بل هو حدث تاريخي يعكس تحولات اجتماعية وسياسية مهمة في واحدة من أكثر مدن العالم تأثيرًا. فوز ممداني يُرسل رسالة واضحة بأن القيادة في القرن الحادي والعشرين لا تعتمد فقط على الخبرة السياسية التقليدية، بل على القدرة على التواصل الحقيقي مع المواطنين، وفهم معاناتهم، وطرح حلول واقعية وجريئة.

وبينما يستعد ممداني لتسلّم مهامه، تراقب نيويورك — والعالم — كيف سيقود أول مسلم المدينة نحو مرحلة جديدة من التحديات والفرص. وسواء نجح في تحقيق وعوده أم لا، فإن تأثيره على الحياة السياسية سيبقى علامة فارقة في تاريخ المدينة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى